إيلان رامون، ضابطي وصديقي المخلص، نجح في توثيق كلّ ما يحدث له بالتفصيل خلال استعداداته وتدريباته لإطلاق المكوك الفضائي "كولومبيا". إليكم فقرة تتحدّث عن محطّة الفضاء، من رسالة كُتِبت بالضبط قبل 21 عامًا، قبل أيّام معدودة من رأس السنة:

رسالة إلى القوّات الجويّة تشرين الأوّل 2000- - دخلنا في الاستعدادات النهائيّة قبل الإقلاع

تحيّة للجميع،

........مستجدّات مثيرة أخرى تحدث في ناسا، منذ شهر تمّوز الأخير. وأخيرًا، وبعد سنتين من التأخيرات، أطلِق عنصر في غاية الأهميّة إلى محطّة الفضاء الدوليّة - "حجرة الخدمة" ("service module"). إنّه العنصر الثالث الذي يتمّ بناؤه في الفضاء، وهو عنصر تمّ بناؤه في روسيا بتمويل أمريكي. هذا العنصر بالغ الأهميّة، وذلك كونه يمكّن روّاد الفضاء من المكوث في محطّة الفضاء، فهو يحتوي على الأنظمة الحياتيّة لجعلها مأهولة.

في اللحظة التي أطلِق فيها العنصر واتّصل بالمحطّة، تسارع تقدّم المشروع بشكل هائل. في مطلع الشهر القادم، سيتمّ إطلاق الطاقم الأوّل إلى محطّة الفضاء، ومن هذه اللحظة ستصبح المحطّة مأهولة بشكل دائم خلال الـ 20-15 سنة القادمة. إنّه بلا شكّ إنجاز هام في تتمّة طريق البشريّة في مجال أبحاث الفضاء. الطاقم الأوّل الذي سيُرسَل، سيضمّ ثلاثة أشخاص. القائد هو رائد فضاء أمريكي يدعى شيبارد، ومعه رائدا فضاء روسيّان. من المخطّط أن يمكث ثلاثتهما في المحطّة لأربعة أشهر. خلال فترة مكوثهم في المحطّة، سيعملون بالأساس على استكمال تركيب وتشغيل عناصرها. خلال هذه الفترة الزمنيّة، ستستمرّ المكوكات الفضائيّة في الوصول إلى المحطّة ومعها عناصر أخرى، ومركبات فضائيّة روسيّة غير مأهولة من نوع "بروغرس"، والتي ستجلب معها عتادًا وتستخدَم أيضًا لتخزين النفايات. مع انتهاء مهمّتهم، تنفصل هذه المركبات عن المحطّة، تسقط وتحترق في الغلاف الجوّي. ستستغرق عمليّة تركيب محطّة الفضاء نحو خمس سنوات إضافيّة.

مع مرور الوقت، عند إتمام تركيبها، سيتفرّغ ورّاد الفضاء أكثر لإجراء الأبحاث العلميّة: وهو الهدف الذي أقيمت من أجله المحطّة عمليًا. تواجُد روّاد الفضاء في الفضاء بشكل متواصل - 24 ساعة يوميًا، 365 يومًا في السنة، في الـ 20 سنة القادمة، يلزِم شركة ناسا بتغيير طبيعة ونمط عملها بشكل كبير. حتى اليوم، تميّز العمل بـ "نبضات" مجهود في كلّ مرّة كان يتواجد فيها مكوك في الفضاء، الأمر الذي يستغرق ما بين أسبوع حتى أسبوعين ونصف. وها هو اليوم، يصبح العمل متواصلًا، بورديّات، على مدار الساعة. من المتوقّع أن تزداد وتيرة السفر إلى المحطة هي أيضًا: في السنة القريبة، من المخطّط أن تقلع سبعة مكوكات، بحيث يمكن القول بالتأكيد إنّ ناسا اليوم في أوج ثورة من حيث أسلوب ووتيرة العمل. وفي النهاية، إليكم قصّة طريفة من ردهات ناسا:

بعد مرور يومين على هبوط المكوك الفضائي "أطلانطس" بنجاح، دخل إلينا إلى الغرفة إيد ليفي، وهو رائد فضاء أجرى في إطار الرحلة "تحليقًا في الفضاء" مع رائد فضاء روسي، وحدّثنا عن إحدى تجاربه. يستمرّ التحليق في الفضاء بشكل عام بين ستّ إلى ثماني ساعات، ويحتاج من روّاد الفضاء إلى تركيز وجهد كبيرين. وخلال التحليق، كان على ليفي أن ينتظر لنحو ثلاث دقائق إلى أن يُنهي زميله الروسي عملًا معيّنًا. رائد الفضاء الذي كان يشرف عليهما من داخل المكوك، وطلب من ليفي أن يوجّه أنظاره إلى الأسفل، وقال له إنّهم يمرّون الآن فوق جنوب أمريكا، وفي الأفق يرون الشروق ومن تحتهم عاصفة برقيّة ضخمة. قال ليفي إنّه أزاح نفسه بحيث يكون المكوك ومحطّة الفضاء من ورائه، ويكون هو منفصلًا عن العالم، وحيدًا أمام الطبيعة والكرة الأرضيّة. عندما نظر إلى الأسفل، يقول إنّه رأى مشهدًا رائعًا: عاصفة برقيّة من تحته، آلاف الومضات البرقيّة تصعق في كلّ مكان، وفي الأفق - شريط رفيع من الضوء الأوّل يسطع من الشمس البادئة بالشروق. يقول إيد "كان ذلك مشهدًا لم أره في حياتي، ولن أنساه أبدًا".

نكتفي بهذا الجزء من القصّة حاليًا. نتمنّى للجميع سنة مباركة!

العقيد إيلان رامون، يوستون.

لم تستضف محطّة الفضاء الدوليّة إيلان رامون. قام هو وزملاؤه في المكوك بإجراء التجارب التي كانت ملقاة عليهم في الفضاء، دون الاتّصال بمحطّة الفضاء.